الحـــــــلـــــــم هدية لشريكة حياتي..../ بقلمي

انسابت الدموع بغزارة على خده المجعد، نزلت دافئة لإحساسه بالذل والهوان و هو يتلقى الكلمات الجارحة التي تخترق إحساسه وتمزق

كرامته وتترك ألما فظيعا يصعب التداوي منه. كيف لا وهو على عتبة السبعينات والشيب قد كسى جل رأسه الذي بدأت أعراض الكهولة تضعملامحها عليه وأفيون الإهانات التي يتعرض لها من قبل زوجته الهاشمية المرأة الفرعونة لاينقطع إذ كلما رأته تصب جام غضبها عليه ولا تملمن الصراخ في وجهه وتلعن اليوم الذي قبلت فيه الزواج منه.

اختارته من بين الخطاب الآخرين فقد كان قويا وسيما... تنبع من خلاله صفات الرجولة الكاملة. كان يقسم دخله إلى نصفين واحد يعطيه لزوجته لتدبر أمور معيشتهم والآخر يصرفه على مزاجه يشتري حاجته من الحشيش والباقي يلعب به القمار(التيرسي). استمرت الحياة فيالسنون الأولى و رزقهم الله بولد وتلات بنات. البنات تزوجن والولد احترف الإجرام إلى جانب بيعه السمك في سوق الحي حتى زج به في السجن. عندها تلاشى نصف دخل العائلة وازدادت علل وأمراض بادريس وقل دخله. لم يعد يجني كما في السابق ،عندها استقوت الهاشمية وراحت تفجر المكبوتات الكامنة في نفسها جراء الإهانات والضرب الذي تلقته منه في السنوات الماضية وها هي الآن تدور الدائرة وتتحول الأدوار في سخرية باهته ويتبادل الجلاد والضحية أدوارهما. انتهت الهاشمية من عادتها اليومية من سب وقذف وضرب . أتلفت سجارة بادريس وفتشت جيوبه وفراشه لكنها لم تجد شيئا وهو ينظر إليها والدموع ترسم طريقين متوازيين على خده وقلبه يكاد يسقط من خوف سكن جوفه. لأنها لو قامت بتفتيش ملابسه الداخلية سينكشف سره وتضيع منه بقية الحشيش و بعض الدريهمات التي يدخرها كل ليلة ليفطر بها في الصباح بالمقهى كباقي الرجال. خرج بادريس يركب حماره الذي لازمه لسنوات يبتغي رزق الله.

لكنه كعادته لا يبدأ العمل حتى يتناول فطوره اليومي بإحدى المقاهي القريبة من سوق الخضار وبعد الانتهاء منه خرج يبحث عن رزقه. أخذ يتجول في السوق والكل يحيه الصغار والكبار. فهو شخصية محبوبة وخفيفة الظل ولسانه سليط في التهكم على البعض بأمثال شعبية . في نهاية اليوم

وقبل عودته إلى البيت يمر كعادته على متجر المواد الغذائية الذي يبيع أوراق القمار. يشتري أرقام جديدة ويتفحص أرقام الأمس من خلال شاشة

يضعها صاحب المتجر. سحب الورقة من جيبه قارنها بالأرقام الموجودة على الشاشة بدأت عيناه تتجه في حركة ميكانيكية بين أرقام الورقة

والشاشة. أحس بقشعريرة باردة تسري في جسده . ازدادت دقات قلبه كاد أن يفقد توازنه. انتبه صاحب المتجر فناداه لكنه لا يرد يعاود المناداة لكن بلا جدوى.....

صرخ بادريس بأعلى صوته بعد أن جثى على ركبتيه: لقد أصبتها ربحت ربحت... وداعا للفقر وداعا ياحماري وداعا للفرعونة الهاشمية...

دخل في هستيريا من البكاء. استحضر فيها شريط الحياة الطويلة المليء بالأحداث الحزينة. كان دائما يحلم بالربح فيخرج من دائرة الفقر والهاشمية.....

تجمع الناس من حوله يباركون له... استجمع قواه وقام من الأرض بحركة توازي حركات الشباب كيف لا وفي يده ورقة بقيمة 600 ألف

دولار....

عاد إلى بيته يركب حماره ونفسه حالمة بالحياة الجديدة فتح باب الزريبة ربط حماره وضع له بعض التبن وهو يخاطبه هذ ا آخر العهد

ياصديقي دخل البيت ونفسه غير آبهة بالطقس الذي تعود عليه كل يوم... لكن اللقاء مختلف والهاشمية مبتسمة على غير عادتها صفع خده ظن للوهلة الأولى أنه يحلم لكن في الحقيقة كان دلك واقعا مستجدا.. استمع إليها بدهشة وهي تقول: على سلامتك أزماني كيف دوزتي(قضيت) النهار أتاج راسي.

طلبت منه الجلوس تكفلت بخلع حذائه لتقوم بغسل رجليه وبادريس في عالم آخر حيث عادت به السنون إلى الزمن الجميل ،زمن ثلاتية نجيب محفوظ وبطله السي سيد ونفس اللقطة سبق له أن شاهدها... إحساس بالرجولة لأول مرة يحس به و اهتمام لم يسبق للهاشمية أن استعملته.

تناثرت الأفكار وحار في هذا الأمر... وأعاد الذاكرة إلى الوراء فتذكر أنه أثناء احتفاء الناس به في المتجر كان من بين الحضور ابن جاره "أكيد هو من أبلغ الهاشمية وهذا سبب اهتمامها المفاجئ."

انتهت الهاشمية من غسل رجلي زوجها وهي تتقزز من داخلها لكنها تظهر عكس ذلك من خلال ابتسامة مصطنعة. جففت رجليه بفوطة تستعملها لأول مرة .سألته :ماذا تريد أن تأكل في العشاء؟ يبادلها هو الآخر بابتسامة مصطنعة: كل ما تطهوه يداكِ ياحبيبتي يعجبني.. لكنه في خبايا نفسه يقول إن هذه العجوز الشمطاء تعتقد أنني أبله وتظن أنها سوف تتمتع بأموالي والله لن ترى فلسا واحدا وسأتركها في هذا القبر

تقضي بقية حياتها وسأشتري بيتا آخر وأتزوج من فتاة صغيرة تعوضني عن سنوات الشقاء. وضعت الهاشمية العشاء و استغلت فرصة انغماس أصابع بادريس في صدر الديك المحمر الدي أعدته له وباغتته بكلمات كان يتوقعها:

مبروك الربح....

أجابها بدهاء بليد:

أي ربح...

سايرته هي الأخرى بنفس البلادة: ربح الأرقام

تنهد: آه نعم كنت سأخبرك لكن من أخبرك

ولاد الحلال مجودين

يتمتم.....

تستغل الفرصة حبيبي علينا أن نشتري بيتا كبيرا يسعنا جميعا نحن والأولاد ونؤمن مستقبل ولدنا المسجون وتشتري لي مضمة(حزام) من ذهب.

انتهى من الأكل وهو يفكر في نفسه وحده بينما الهاشمية تفكر كيف تستولي على كل الأموال ناما في فراش واحد جسدين متقاربين وفكرين متباعدين. عند الصباح قام بادريس بنشاط لبس تيابه ولبست الهاشمية هي الأخرى جلبابها استفسرها في ذلك فردت عليه أنها ستصحبه إلى

البنك رفض في غلظة لم تعهدها في السنوات الأخيرة.

خرج والكل يحييه ويبارك له بينما هو في عالم آخر يخطط ويضع اللمسات الأخيرة لحياته الجديدة لم يشعر بنفسه إلا و هو في أحدالبنوك واقف

أمام أحد الموظفين سحب الورقة وبطاقته الوطنية من جيب جلبابه الباهت تفحصها الموظف الذي ارتعشت يداه وأصيب بالذهول. قام من مكانه صوب مكتب مدير الوكالة البنكية. خرج المدير وهو مبتسم، أدخله لمكتبه طالبا من الشاويش أن يحضر له كأس قهوة.انتهت الإجراءات و خرج بادريس والنفس ليست نفس الأمس والفكر بدأ يتغير وقف على مقربة من المقهى الذي اعتاد الجلوس فيه.. لكن نفسه نهته عن الجلوس هناك .

"كيف تجلس في مقهى يجلس فيها الصعاليك وحثالة المجتمع. أنت الآن من الطبقة الغنية. أولا عليك تغيير لباسك ليتلاءم مع الوضع الجديد."و بينما هو في خضم هذه التخبطات مرت بالقرب منه سيارة فوق بركة ماء تكونت في الطريق نتيجة الفساد والغش فأصابته رشات الماء... غضب

وانتفض على صوت اعتاد أن يسمعه فرك عينه فلم يجد إلا زوجته الهاشمية وفي يدها سطل من الماء واقفة على رأسه. التفت يمينا ويسارا فلم يجد إلا بيته وهو نائم في فراشه. بدأت ماكينة السب والقذف كما هي العادة فقام مهرولا كارها لكل شيء للأحلام للواقع لزوجته وللعالم.

جميلة
الف شكر